کد مطلب:187324 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:279

و سلاحه البکاء (20)
الطریق الی قصر الخضراء تحفه بیارق ملونة حمراء و صفراء و قد اصطف مسلحون علی جانبی الطریق... و الموكب العجیب یمضی قدما الی قصر أسس بنیانه علی الظلم.

و فی بوابة القصر توقفت القافلة وجیئ بالحبال فربق بها آل الرسول، وضعوا طرفا منها فی رقبة فتی فی العشرین ثم فی رقبة زینب بنت علی ثم فی باقی بنات محمد، و كلما تعثر الأسری فی طریقهم انهالت علیهم السیاط من كل جانب.

كان یزید جالسا ینظر باستعلاء، و نشوة الانتصار تطل من عینیه.

هیمن صمت رهیب لم یعهده القصر من قبل... صمت الأسری ملأ فضاء القصر بأشیاء یحسها المرء فی أعماقه.

عدل یزید من جلسته. كان ینتظر كلمات الاستعطاف أو كلمات تذكر بالنصر.

أراد الخلیفة الجدید أن یجعل من نصره حقیقة فخاطب فتی



[ صفحه 71]



القافلة الوحید:

- كیف رأیت صنع الله بأبیك الحسین؟

و جاء الجواب صاعقا:

- رأیت ما قضاه الله قبل أن یخلق السموات و الأرض.

أدرك یزید ان هذا الفتی فرع من تلك الزیتونة؛ فهمس فی آذان مشاوریه.

كانت العیون حمراء بلون الدماء تحمل نذر الموت و یطل منها حقد قدیم.

- اقتله یا أمیرالمؤمنین... انه یضم قلب أبیه فی جوانح صدره.

فهتف الفتی بصلابة الأنبیاء:

- یا یزید لقد أشار علیك هؤلاء بخلاف ما أشار به جلساء فرعون علیه حین شاورهم فی موسی و هارون فانهم قالوا له: أرجه و أخاه...

و أردف غیر مكترث بالموت الذی یحدق به من كل مكان:

- و لا یقتل الأدعیاء أبناء الأنبیاء.

و عاد یزید مرة اخری یتحدث كخلیفة فقال بنفاق:

- ما أصابكم ن مصیبة فبما كسبت أیدیكم.

أجاب الذی عنده علم الكتاب:

- ما هذه نزلت فینا؛ انما نزل فینا: ما أصاب من مصیبة فی الأرض و لا فی أنفسكم الا فی كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علی



[ صفحه 72]



الله یسیر لكی لا تأسوا علی ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم. فنحن لا نأسی علی ما فاتنا و لا نفرح بما آتانا.

انتفض یزید كالملدوغ و قد سقط عنه وقار مصطنع:

- مهلا بنی عمنا مهلا موالینا لا تنبشوا بیننا ما كان مدفونا.

صر علی أسنانه بحقد و لعن فی نفسه ابن زیاد ذلك الأحمق لأنه نسی أن یخمد صوت الحسین.

أشار یزید الی رجل باع دینه بدنیا غیره.

نهض واعظ السلطان ورقی منبرا مسروقا، و راحت الكلمات المسمومة الملوثة بالصدید تتدفق من فمه یحاول یطفئ الشمس و القمر و النجوم و یجعل من النفایات حدائق بنفسج، ولكن أین الثری من الثریا و أین معاویة من علی.

هتف الفتی كبركان غاضب:

- لقد اشتریت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار.

و التفت الی یزید:

- اتأذن لی أن أرقی هذه الأعواد فأتكلم بكلام فیه لله تعالی رضا و لهؤلاء أجر و ثواب.

شعر یزید بالخوف یحاصر قلبه و هتف مذعورا:

- كلا.. كلا.

قال«معاویة» و كان فتی لم یبلغ العشرین بعد و فی عینیه بریق



[ صفحه 73]



اكتشاف:

- ائذن له یا أبی.. و ما قدر أن یأتی به.

همس یزید محذرا:

- ان هؤلاء ورثوا العلم و الفصاحة و زقوا العلم زقا... و لا ینزل من المنبر الا بفضیحة آل أبی سفیان.

و علت صیحات من الحضور و قد بهرتهم شخصیة الفتی:

- ائذن له یا أمیرالمؤمنین.

سكت یزید مستسلما... ورقی الأسیر المنبر...

یتفجر من فوقه نبع من الفصاحة و البلاغة و الحكمة و انسابت الكلمات كنهر هادئ تتدافع أمواجه متألقة فی ضوء النهار:

- الحمدلله الذی لا بدایة له، و الدائم الذی لا نفاد له، و الأول الذی لا أولیة له، و الآخر الذی لا آخریة له، و الباقی بعد فناء الخلق، قدر اللیالی و الأیام، و قسم فیما بینهم الأقسام، فتبارك الله الملك العلام.

أیها الناس أعطینا ستا و فضلنا بسبع أعطینا: العلم و الحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة فی قلوب المؤمنین، و فضلنا: بأن منا النبی و الصدیق و الطیار، و أسد الله و أسد رسوله و سبطا هذه الامة.

أیها الناس من عرفنی فقد عرفنی و من لم یعرفنی أنبأته بحسبی و نسبی.. انا ابن مكة و منی، أنا ابن زمزم و الصفا.

أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا.



[ صفحه 74]



أنا ابن خیر من ائتزر وارتدی

و خیر من طاف و سعی، و حج و لبی

أنا ابن من حمل علی البراق و بلغ به جبریل سدرة المنتهی فكان من ربه قاب قوسین أو أدنی، أنا ابن من صلی بملائكة السماء، أنا ابن من أوصی الیه الجلیل ما أوصی، أنا ابن من ضرب بین یدی رسول الله ببدر و حنین، و لم یكفر بالله طرفة عین، أنا ابن صالح المؤمنین و وارث النبیین و یعسوب المسلمین و نور المجاهدین و قاتل الناكثین و القاسطین و المارقین و مفرق الأحزاب، أربطهم جأشا و امضاهم عزیمة.. ذاك أبو السبطین الحسن و الحسین علی بن أبی طالب..

أنا ابن فاطمة الزهراء و سیدة النساء. أنا ابن خدیجة الكبری..

من یوقف هذا النبع المتدفق؟ من یخمد هذا البركان المتفجر حمما؟ من یكفن هذه الشمس بأكوام الغیوم؟

و عندما تبكی الغیوم و تسح دموعها الثقال، فانها تذوب لتسطع الشمس.. شمس الحقیقة... و هكذا أراد ذلك الأسیر العظیم.

كلماته ما تزال تدوی:

- أنا ابن المرمل بالدماء،

- أنا ابن ذبیح كربلاء،

- أنا ابن من بكی علیه الجن فی الظلماء، و ناحت الطیر فی الهواء.

كان عرش یزید یهتز بشدة و قصره یمید...

صرخ الخلیفة بعصبیة أذنوا للصلاة.



[ صفحه 75]



حیلة تعلمها من عمرو بن العاص یوم رفعت المصاحف فی صفین تفادیا للعاصفة.

هتف المؤذن:

- الله أكبر.

عقب الفتی بخشوع المؤمنین:

- الله أكبر و أجل و أعلی و أكرم مما أخاف و أحذر.

و انساب الاذان:

- اشهد أن لا اله الا الله.

تمتم الأسیر:

- نعم أشهد مع كل شاهد ان لا اله غیره و لا رب سواه.

- أشهد ان محمدا رسول الله.

التفت ابن محمد مخاطبا یزید:

- هذا الرسول العزیز الكریم جدك أم جدی؟ فان قلت جدك علم الحاضرون و الناس كلهم انك كاذب و ان قلت جدی فلم قتلت أبی ظلما و عدوانا و انتهبت ماله و سبیت نساءه فویل لك یوم القیامة اذا كان جدی خصمك.

صرخ یزید بالمؤذن:

- أقم للصلاة.

و سرت همهمة و طفحت الأسئلة علی الوجوه، كما تظهر الفقاعات فوق سطح ماء أصابه مس من الغلیان.



[ صفحه 76]